| نقطة البداية: طب الشامان قبل ثلاثة آلاف عام، ومع محدودية المعرفة الطبية، سادة الممارسات العلاجية الممزوجة بالخرافات في ما يُعرف بعصر طب الشامان. كان الشامانيون يدَّعون امتلاك قدرات خارقة تمكنهم من شفاء الأمراض، وعاشوا في حقبة تسبق عصر أبقراط. آنذاك، كانت الأمراض تُفسَّر بأنها ناجمة عن قوى غيبية خفية، وكان العلاج يقتصر على خلطات سحرية وطقوس غريبة، بعيدة كل البعد عن أي أساس علمي. طغى الطابع السحري والاعتقادات الباطلة على تلك الممارسات، مما جعلها أقرب إلى الخزعبلات منها إلى الطب بمعناه الحديث استمر ذلك قرونًا عديدةًُ حتى جاء أبقراط، واقترح فلسفة جديدة للممارسة الطبية غيرت وجه الطب -------------------------------- بداية الطب : طب أبقراط وجالينوس تأثرت الممارسة الطبية بالفلسفة اليونانية التي نبذت السحر والخرافات، وأرست أسس فكر طبي جديد على يد أطباء مثل أبقراط وجالينوس. دعوا إلى استخدام العقل والمنطق في تفسير الأمراض، مع تصور قائم على أن الأمراض تنشأ عن تغيرات مادية داخل الجسم، مما يتيح فهمها وعلاجها باستخدام الأعشاب، والراحة، والنظافة، والاعتدال في الشرب والطعام. كانت هذه الأفكار ثورية في عصرها، حيث ركزت على القوة العلاجية للأعشاب ودورها في شفاء الأمراض، مما شكل الأساس لظهور الطب بمفهومه الحديث فهم لم يكتفوا بالابتعاد عن السحر كفلسفة طبية، بل وضعوا قواعد جديدة للممارسة الطبية، وهي الامتناع عن العلاج دون تشخيص، وفرض عدم التدخل كفلسفة علاجية في حال عدم معرفة المرض بالطبع لم يكن هناك تجارب سريرية أو بحوث علمية حقيقية، أو حتى إحصائيات للأمراض، ولكن كان هناك ميزة رائعة، وهي البدء بتدوين تجارب الأطباء الشخصية في التعامل مع الأمراض ووصفها، وعلاجها، وقد أدى ذلك إلى بداية انطلاق التاريخ الطبي وتراكم الخبرة العلاجية عبر العصور لقد بدأ عصر التدوين الطبي عبر التجارب الشخصية، وظهرت نظريات لتفسير الأمراض؛ مثل نظرية الأمزجة، ونظريات التوازن وغيرها الكثير، وعلى الرغم من خطأ كثير من النظريات؛ إلا أنها شجعت على الابتعاد عن الشعوذة والسحر -------------------------------- طب العصور الوسطى استمر أطباء العصور الوسطى في اتباع نهج أبقراط وجالينوس، مع إدخال تحسينات وتوثيق أوسع للممارسات الطبية. برزت خلال هذه الفترة مراجع طبية ضخمة مثل القانون في الطب لابن سينا، وكتب الرازي، والزهراوي. ويمكن اعتبار العصور الوسطى حقبة التدوين الطبي المكثف للتجارب الشخصية للأطباء ولقد أدى الأطباء المسلمون دورًا بارزًا في ترجمة وحفظ الطب اليوناني، مع التوسع في توثيق خبراتهم الشخصية. ومع ذلك، لم تكن هناك تجارب سريرية منظمة كما نعرفها اليوم، ولم تُستخدم البحوث الأساسية في الفيزياء، والرياضيات، والكيمياء لفهم طبيعة الأمراض وآليات عمل الجسم ويمكن وصف الفلسفة الطبية في تلك العصور بأنها ظاهراتية؛ حيث اعتمد الأطباء على علاج الأعراض الظاهرة دون معرفة دقيقة بالآليات الداخلية التي تحدث داخل الأجهزة الحيوية للجسم. وقد ظل هذا النهج سائدًا حتى القرن الثامن عشر، حين بدأت ملامح الطب الحديث تتشكل، متغيرًا في أسلوبه، ومضمونه، وفلسفته -------------------------------- بدايات الطب الحديث واستخدام الطرق العلمية عام ١٨٦٥م مع دخول القرن السابع عشر، شهد الطب تحولات جذرية نتيجة التطورات العلمية في مجالات الفيزياء والكيمياء والرياضيات. وبدأت ملامح الفلسفة العلمية الحديثة في التبلور؛ حيث غلبت فكرة البحث العلمي كأداة أساسية للوصول إلى الحقيقة، مع التركيز على اختبار الفرضيات من خلال التجربة ورغم ذلك، كانت هذه النقلة بطيئة ومتدرجة؛ فقد بدأ اعتماد التجارب الطبية بشكل محدود وحذر، مثل تجربة علاج مرض الإسقربوط الشهيرة في أوائل القرن الثامن عشر، التي مهدت الطريق لتطبيق المنهج العلمي في الطب. لاحقًا، أسهمت تجارب رائدة مثل أعمال جون سنو في علم الوبائيات، واكتشافات روبورت كوخ ولويس باستور في علم البكتيريا، في إرساء أسس الطب الحديث لم تُؤسس الفلسفة الطبية الحديثة بشكلها الحالي إلا عام ١٨٦٥م، إنه تاريخ فريد في الطب، ويرجع السبب إلى نشر كتاب واحد لطبيب فرنسي غير المشهد الطبي، ونقل الطب من العصور الوسطى إلى الطب الحديث، إنه كتاب " مدخل إلى دراسة الطب التجريبي " للطبيب كلود برنارد لقد نقل هذا الكتاب الطب من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، وأجبر القطاع الطبي حول العالم بالالتزام بتجربة الفرضيات كأساس لقبول الحقائق العلمية، والشك في أية معلومة سابقة دون دليل وتجربة وبرهان من هذا الإطار: يؤمن الممارس الصحي بأن البحث العلمي هو الوسيلة الفُضلى للوصول إلى الحقائق، أي إنه يرفض وجهات النظر السحرية والحدسية والأحكام الشخصية المسبقة، وانتشرت مقولة: لا تفكر، قم بعمل التجربة -------------------------------- الانفجار المعلوماتي الطبي والطب القائم على البراهين ينشر الممارسون الصحيون حوالي مليون بحث طبي سنويًا، مما يثير تساؤلاً مُهمًا: كيف يمكن لممارس الصحي متابعة هذا الكم الهائل من الأبحاث، وتقييمها، واتخاذ القرارات الطبية بناءً عليها؟ نتيجة لهذا التحدي، تعالت الأصوات المطالبة بمنهجية علمية متينة تساعد على اتخاذ قرارات طبية مدروسة. ومع بداية التسعينات، ظهرت فلسفة طبية جديدة تُعرف بـ " الطب القائم على البراهين " ، وهي نهج يعتمد على تقييم منهجي للأبحاث وقواعد واضحة تساعد الممارس الصحي في اتخاذ قرارات أقرب للصواب، خاصة في ظل الانفجار المعلوماتي وتضارب الأدلة الطبية في بعض الأحيان لقد نشأ مصطلح " الطب القائم على البراهين " كأساس للفلسفة الطبية الحديثة عام ١٩٩١م، ليكون أداة تُعنى بتقييم الأبحاث الطبية ونقدها والكشف عن نواقصها. سرعان ما انتشرت هذه الأدوات عالميًا بعد نشرها، نظرًا لفائدتها الكبيرة للممارسين الصحيين، وأصبحت جزءًا أساسيًا من المناهج الطبية في الصورة الأولى، نعرض لكم هرم الطب القائم على البراهين كما نُشر في عام ١٩٩١م، وفي الصورة الثانية نُقدم نسخته المطورة التي أُعيد تطويرها كجدول في عام ٢٠٠٤م، لتسهيل استخدامها وتعزيز فعاليتها | 
