شهد قطاع التعليم الصحي في المملكة العربية السعودية خلال العقد الأخير تحولات جذرية ظهرت في تطوير غير مسبوق، وفي خضم هذا التحول يأتي حفل تخرج خريجي برامج الهيئة السعودية للتخصصات الصحية؛ ليصبح أكثر من مجرد طقوس أكاديمية تُختتم بها السنوات الدراسية
هذه الاحتفالات باتت جزءًا من مشهد وطني واسع، يجسد الاستثمار في رأس المال البشري، ويعكس رؤية المملكة الطموحة لتطوير القدرات الصحية، التي تستهدف رفع كثافة القوى العاملة الصحية، وتحسين جودة الخدمات، وتعزيز الابتكار في الرعاية الصحية
قلق الانتقال
من منظور علم النفس التربوي، يرى علماء مثل ديميتريس إيغالاتاس، وهو أستاذ مشارك في الأنثروبولوجيا والعلوم النفسية بجامعة كونيتيكِت الأميركية، أن حفل التخرج يُعدُّ "طقس عبور" يسهم في تخفيف قلق الانتقال من البيئة التعليمية والتدريبية إلى بيئة العمل الواقعية
تتضمن طقوس العبور عادةً وجود عدة مراحل، تبدأ بانفصال المشاركين عن نمط حياتهم السابق، والتوجه نحو وضع وهُوِيَّة جديدة. الممارسون الصحيون، بخلاف التخصصات الأخرى، يحققون انتقالًا دراميًا في الحقيقة، بين عالم كانوا فيه تحت التدريب، مليء بالأنشطة التعليمية، إلى عالم مهني عالي المسؤولية، يتعاملون فيه مباشرة مع حياة الإنسان وصحته
في العلوم الصحية، يُعدُّ التخرج إعلانًا عن انتهاء "مرحلة المعرفة" وبداية "مرحلة الممارسة"، حيث يصبح الخريج مسؤولًا عن تطبيق المعرفة السريرية في سياقات حقيقية، يتحمل فيها المسؤولية بوصفه ممارسًا صحيًا مسؤولًا، لا كمتدرب
لذلك، فإن الطقوس الرمزية؛ مثل أداء قسم المهنة، كلها تُشكِّل أدوات لتعزيز فكرة الانتقال هذه، كما أنها تعزز الكفاءة الذاتية والثقة لدى الخريج، وتسهّل اندماجه النفسي في دوره المهني الجديد
بشكل خاص، تمثل لحظة "أداء القَسَم" في حفل تخرج متدربي برامج الهيئة السعودية للتخصصات الصحية نقطة مفصلية في هذا الانتقال؛ إذ توضح حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الخريجين، وتعرّفهم بسرية المريض، والعدالة الصحية، والإخلاص، والرحمة، واحترام العلم والأدلة، والالتزام بالسلوك المهني الرشيد
الصوت الهادر في أثناء إلقاء كل جملة من جمل القَسَم، وثقل الجمل نفسها والمسؤولية التي تحملها، والصمت الساكن الذي يتخلل تلك الجمل، يترك أثرا نفسيًا كبيرًا، يعلمهم بيسر أننا نقف الآن على الباب بين عالمين مختلفين تمامًا، لكل منهما متطلباته، لكنهما مثيران للانتباه بالقدر نفسه، وكلاهما باب للتعلم