لقد بدأت رحلة المملكة في مكافحة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية عام 2017، مع تشكيل اللجنة الوطنية استنادًا إلى الخطة العالمية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، لتكون إطارًا مشتركًا لمواجهة هذا التحدي الصحي
في أبريل 2018، اتخذت وزارة الصحة السعودية خطوةً مُهمةً بحظر بيع المضادات الحيوية دون وصفة طبية، وفرض عقوبات صارمة على الصيدليات التي تُخالف هذه القاعدة
أدت هذه السياسة إلى انخفاض كبير في استهلاك المضادات الحيوية على مستوى البلاد؛ حيث أظهرت الدراسات انخفاضًا بنسبة 30% تقريبًا في إجمالي استخدام المضادات الحيوية في السنوات التي تلت الحظر
ومنذ ذلك الحين، قادت هيئة الصحة العامة "وقاية" الجهود الوطنية بخطى ثابتة، مطلقةً التحديث الوطني للخطة للفترة 2020–2025، لتكرِّس موقعها كجهة مرجعية رائدة في هذا المجال
وفي نوفمبر 2024، تحولت مدينة جدة إلى مركز عالمي للنقاش حول ما بات يُعرف بـ "الوباء الصامت"، حين استضافت المملكة العربية السعودية المؤتمر الوزاري العالمي الرابع رفيع المستوى لمقاومة المضادات الميكروبية، وهو أحد أهم الاجتماعات الدولية التي تُعنى بمستقبل الصحة العامة في العالم
جاء انعقاد المؤتمر بمشاركة وزراء الصحة والزراعة والبيئة من عشرات الدول، إلى جانب منظمات كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة الحيوانية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، في حدث يعكس إدراكًا متزايدًا بأن أزمة مقاومة المضادات لم تعد شأنًا طبيًا فحسب، بل خطرًا وجوديًا يمتد إلى الإنسان والحيوان والبيئة معًا
خلال المؤتمر، تبنَّت السعودية وعدد من الدول ما سُمِّي بـ "التزامات جدة"، وهي حزمة من المبادرات لتطبيق نهج "صحة واحدة" يربط الإنسان والحيوان والبيئة في منظومة مراقبة واستجابة موحدة. هذا النهج يُعد حجر الأساس في محاربة مقاومة المضادات؛ لأنه يعترف بأن العدوى لا تعرف الحدود، وأن المزرعة والمستشفى والمجتمع حلقات في سلسلة واحدة. كما دعا المؤتمر إلى تعزيز البحث العلمي والابتكار لتطوير أدوات تشخيص سريعة وأدوية جديدة، مع الاستثمار في التوعية المجتمعية والحوكمة الرشيدة لاستخدام المضادات
تميزت الجلسات العلمية في جدة بطرح أرقام صادمة: فبحسب البيانات التي نوقشت، أكثر من 50% من المضادات الحيوية في بعض الدول تُصرف دون وصفة طبية، بينما تُستخدم كمنشطات للنمو في الثروة الحيوانية؛ مما يخلق بيئة خصبة لتكاثر "البكتيريا الخارقة". وحذَّر الخبراء من أن استمرار هذا النمط قد يؤدي إلى أزمة صحية عالمية تفوق في أثرها أية جائحة معاصرة، لأنها ستقوِّض ثقة البشر في الطب الحديث ذاته
ومن المتوقع أن يُسهم هذا الانخفاض في الاستخدام، مع مرور الوقت، في إبطاء تطور المقاومة. بالإضافة إلى ذلك، بدأت عديد من المستشفيات برامج إدارة مضادات الميكروبات، وهي فرق وبروتوكولات تضمن استخدام المضادات الحيوية فقط عند الحاجة الماسة وبالطريقة الصحيحة
تُظهر التجارب الوطنية أن برامج إدارة مضادات الميكروبات التي يقودها الممارسون الصحيون داخل المستشفيات لها أثر مباشر في ترشيد استخدام المضادات الحيوية، وهو ما ينعكس بوضوح على تراجع معدلات المقاومة وتقليل الحاجة للجوء إلى المضادات الحيوية القوية التي تُعد خط العلاج الأخير مثل دواء الكولستين
وقد أثبتت البيانات المنشورة في الدوريات العلمية المحكمة أن تطبيق هذه البرامج يؤدي إلى خفض ملحوظ في استخدام هذه الأدوية عالية الخطورة، مقرونًا بانخفاض كبير في معدلات المقاومة المرتبطة بها
يُعدُّ هذا تذكيرًا قويًا بأنه من خلال الممارسات الصحيحة، يُمكن إبطاء اتجاه تزايد المقاومة أو حتى عكس مساره
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات؛ حيث لا تزال البكتيريا المقاومة منتشرة على نطاق واسع في كل من المجتمعات المحلية والمستشفيات، هذا يحتاج مزيد من الضبط، وإلا فإن ما أنجز إلى الآن قد يتراجع بسرعة وشراسة
إن مقاومة المضادات الحيوية في المملكة العربية السعودية تُمثل مشكلة، ولكنها ليست مستعصية على الحل، وقد بدأت بعض الحلول تؤتي نتائج إيجابية