يتميز
الدكتور سعدي طاهر بقدرته على التعلم المستمر والنهم غير المحدود للمعرفة، ساعدته هذه الصفة
على التهام الكتب المتعلقة بالمواضيع التي يهتم بها، تخرج في كلية الطب من جامعة
بغداد عام ١٩٦٢م، وتخصص في إنجلترا والولايات المتحدة في أمراض الكلى، وعمل مديرًا للدراسات
العليا في مستشفى الملك فيصل التخصصي من عام ١٩٨٤م إلى عام ٢٠٠١م، درس الإدارة الصحية عام
١٩٩٩م، ثم انتقل إلى مستشفى الحرس الوطني ليعمل في منصب المدير الطبي من عام ٢٠٠١م إلى
٢٠١٦م، ويعمل حاليًا مستشارًا في برنامج التحول الصحي في وزارة الصحة
كيف
بدأت تهتم في التّفكير المنظومي؟
تعود
قصة اهتمامي بالتفكير المنظومي عندما أرسل لي مدير الجودة في مستشفى الملك فيصل التخصصي
بحثًا شهيرًا عن الأخطاء
الطبية منشور في عام ٢٠٠٠م ،
وعند التّبحر في الموضوع اكتشفت أن دراسة المنظومة الصحية والتعامل معها كمنظومة يُسهم في
فهمها والمساعدة على إدارتها وتحسين الجودة المُقدمة وتقليل الأخطاء الطبية، كان لدينا
تفكير قاصر في ذلك الوقت وعدم رؤية الصورة الكبيرة للأحداث
ما
التّفكير المنظومي؟
هو
نهج لتحليل الأنظمة المعقدة كالوزارة أو المستشفى، يُركز على كيفية ترابط هذه الأجزاء
المختلفة المكونة للنظام وآلية عملها بمرور الوقت، وفي سياق الأنظمة الكبرى، وهو نهج منضبط
لفحص المشكلات وتوقع المستقبل للأنظمة المعقدة، بدأ على يد مجموعة من العلماء منهم على سبيل
المثال جاي فوريستر ولودفيك بيرتلانفي، بدأوا بدراسة للأنظمة الديناميكية، وقد طُبق
التّفكير المنظومي على القطاع الصحي فيما بعد
كيف
نفهم المستشفى من خلال التفكير المنظومي؟
الفكرة
الرئيسة من التّفكير المنظومي ألا ننظر إلى المستشفى كأجزاء متفرقة، لحل مشكلة في قسم
الطوارئ يجب أن ننظر إلى الصورة الكبيرة، قسم الطوارئ هو منظومة داخل منظومة المستشفى،
وتربطه في المستشفى وأقسامه المختلفة روابط كثيرة، ولإدارة مشكلة في قسم الطوارئ يجب أن
نستخدم أدوات التفكير المنظومي لفهم أجزاء المستشفى ككل وإدراك العلاقات التي تربط قسم
الطوارئ بالأقسام الأخرى، سواء الطبية أو الإدارية، هذا يساعدنا كثيرًا على فهم المشكلات
الحالية والمساعدة في إدارتها، وتوقع المستقبل بشيء من الدقة
يجب
أن تعامل المستشفى كمنظومة داخل النظام الصحي، والوزارة كذلك منظومة داخل منظومة الدولة
وهكذا. منظومات معقدة داخل منظومات معقدة أكبر
ومن
المهم أن نشدد على أهمية تحديد أنماط السلوك بمرور الوقت، ولا تكتفي بمراقبة الأحداث
والبيانات فقط، وبعد ذلك تبرز لنا الهياكل الأساسية التي تقود تلك الأحداث والأنماط، فمثلاً
لفهم مشكلة تكدس المرضى في الطوارئ، يجب عليك تحديد المشكلة المطروحة، ثم تشكيل فرضيات
محتملة لشرح المشكلة، ثم اختبار هذه الفرضيات باستخدام النماذج المختلفة، ثم تبدأ بالتغيير
المدروس
المشكلة
الحالية تقبع بأن الناس تفكر بطريقة خطية، وتدرس المشكلة بشكل جزئي بعيدًا عن علاقة
الجزء بالكل، وهذا ما يؤدي إلى حلول جزئية أو ظهور مشكلات أخرى في المستقبل
هل
المستشفى منظومة معقدة؟
نعم،
المستشفى هو أعقد جزء من المنظومة الاقتصادية للدولة، ويعتبر فيلسوف الإدارة بيتر دراكر أن
المستشفى هو أعقد منظومة بناها الإنسان، ولفهم المستشفى يجب أن نتبنى التفكير
المنظومي
حاليًا،
أرى أنّ التفكير السائد هو التفكير الجزئي الذي يحاول حل المشكلة بالنظر إلى الجزء وينسى
المنظومة الكاملة وتفاعلاتها، مما يؤدي إلى حلول مؤقته وبقاء جذر المعضلة، بل إن بعض الحلول
المؤقتة أدت إلى خلق مشاكل مستقبلية، بل بعضها يتطور ليخلق فوضى كاملة
هل
هو مفيد في إدارة المستشفى وإحداث التغيير فيها؟
نعم
وبكل تأكيد، التفكير المنظومي يعطينا فهمًا أكبر لمشاكلنا في القطاع الصحي، وأداة رئيسة
لزيادة الكفاءة وتحسين الجودة، إن التفكير المنظومي وبأدواته الابتكارية يستطيع رسم خريطة
تفاعل الهياكل التنظيمية في قطاعنا مع بعضها، فعلى سبيل المثال، أغلب الأخطاء الطبية يكون
سببها خلل بهيكل النظام
إن
فهم العلاقة بين الهياكل التنظيمية وعلاقاتها البينية، يكشف لنا أسباب خروج نتائج متدنية،
ويكشف لنا كذلك كيفية التوجيه إلى إنتاجية أفضل، إنها آلية لفهم جذور المشكلة، بدل التعامل
مع المشاكل بطريقة خطية وكأنها في نظام معزول
كيف
نحلل مشكلة ما عبر التفكير المنظومي؟
يميل
تفكرينا إلى سبب واحد يؤدي إلى مشكلة ما، والقضاء على هذا السبب سوف يحل المشكلة التي نعاني
منها
هذا
التفكير هو تفكير خطي، والعالم معقد بطبيعته، و قد يكون السبب مجموعة من العوامل، لاحظ أن
توافر معلومات عن وجود مشكلة ليس كافيًا لحلها، بل يلزم أن نعرف مصادر المشكلة ومحفزاتها
وجدوى الحلول وتأثيرها على النظام ككل
إنها
طريقة جديدة لتحليل الواقع وإدارته، قائمة على تحليل الشبكات وروابط أجزاء النظام
وعلاقاتها، وتأثير أي جزء على الجزء الآخر البعيد لتعطي صورة كبيرة للنظام وأقرب للواقع، إن
الواقع معقد وتقبع فيه ديناميكيات نستطيع بعلم الأنظمة ودراسة الشبكات أن نفهمها ونغير
فيها
ما
ممارسات المُفكر المنظومي؟
المفكر
المنظومي يتتبع أنماط النظام ويراقب سلوكه قبل التدخل فيه، ويعتمد على المعلومات وجودتها في
ذلك، بل هو يدرس تاريخ النظام ويسأل عمّا حدث ولماذا حدث ويأخذ آراء الجميع للتركيز على
الحقائق لا النظريات. إنه يثير الأسئلة قبل أن يصل إلى الإجابات، كيف وصلنا إلى هنا؟ وما
الذي جعل العمل يخرج بهذه الطريقة السيئة؟ وماهو الخلل الذي أدى إلى هذه
المشكلة؟
يهتم
المفكر المنظومي بالتغذية الراجعة وأنواعها، لأنه يدرك أهمية المعلومات في بنية النظام
وعلاقه أجزائه ومرونته
ما
أدوات التفكير المنظومي التي نحلل بها الأنظمة المعقدة؟
هناك
أدوات الرسوم التخطيطية والأدوات التصنيفية والفورتكس وكذلك التخطيط المنظومي
كيف
استخدمتم التفكير المنظومي لبناء خطة التحول الصحي؟
بدأنا
بدراسة داخلية للوضع ودراسة خارجية لتجارب الأنظمة الصحية في الخارج عبر عقد ٨٠ ورشة عمل
و٢٠٠ متخصص من مختلف المجالات، ثم استعنا بالدراسات لمنظمة الصحة العالمية في مجال
ديناميكيات النظم الصحية، لقد استطعنا وضع لبنة أساسية لننطلق منها
أريد
أن أتعلم عن التفكير المنظومي بشكل أكبر، كيف أبدأ؟
هناك
كثير من الكورسات في الموضوع على الانترنت واليوتيوب ، وأنصح بقراءة كتاب التفكير النظمي
لزو ماكي فهو مقدمة بسيطة عن الموضوع ثم التوسع عبر كتب نظرية الفوضى لنسيم طالب وكذلك أنصح
بكتاب ستانلي ميكرستال والذي يتحدث فيه عن التعامل مع الأنظمة المعقدة التي تحيط بنا، وهناك
كتاب آخر اسمه الرؤية المنظومية للحياة للمؤلف كابرا